روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | المغول والحرب النفسية.. ضد المسلمين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > المغول والحرب النفسية.. ضد المسلمين


  المغول والحرب النفسية.. ضد المسلمين
     عدد مرات المشاهدة: 2538        عدد مرات الإرسال: 0

الحرب النفسية على المسلمين: بالإضافة إلى إعداد الطرق، وتهيئة الوسائل اللازمة لضمان الإمداد والتموين للحملة التترية.

وبالإضافة إلى الجهود الدبلوماسية الهائلة التي قام بها التتار لإنجاح خطتهم في إسقاط الخلافة الإسلامية، فإن هولاكو لجأ أيضًا إلى سلاح رهيب، وهو الحرب النفسية على المسلمين..

 وقد كانت لهولاكو أكثر من وسيلة لشن هذه الحرب المهولة على المسلمين..

 من هذه الوسائل مثلًا:

القيام ببعض الحملات الإرهابية في المناطق المحيطة بالعراق والتي لم يكن لها غرض إلا بث الرعب، وإحياء ذكرى الحملات التترية الرهيبة التي تمت في السابق في عهود "جنكيزخان" و"أوكيتاي"..

فالحملة التترية الأولى والتي كانت في عهد جنكيزخان مر عليها أكثر من ثلاثين سنة، وهناك أجيال من المسلمين لم تر هذه الأحداث أصلًا، وإنما سمعت بها فقط من آبائها وأجدادها..

وليس من سمع كمن شاهد.. والحملة التترية الثانية في عهد أوكيتاي لم يكن من همها التدمير والإبادة في بلاد المسلمين، وإنما كانت موجهة في الأساس لروسيا وشرق أوروبا، ومن ثم لم يتأثر بها المسلمون بصورة كبيرة..

ولذلك أراد هولاكو أن يقوم ببعض النشاط العسكري التدميري والإرهابي بغرض إعلام المسلمين أن حروب التتار ما زالت لا تقاوم.. وأن جيوش التتار ما زالت قوية ومنتشرة..

من ذلك مثلًا ما حدث في سنة 650هـ عندما قامت فرقة تترية بمهاجمة مناطق الجزيرة وسروج وسنجار، وهي مناطق في شمال العراق، فقتلوا ونهبوا وسبوا، ومما فعلوه في هذه الهجمة أنهم استولوا على أموال ضخمة كانت في قافلة تجارية.

وقد بلغت هذه الأموال أكثر من ستمائة ألف دينار، (وما أشبه هذا بما يحدث اليوم تحت مسميات مثل: تجميد الأموال..)

ولا شك أنها كانت خسارة كبيرة للخلافة العباسية، وفي ذات الوقت كانت نوعًا من تجهيز الجيش التتري بالمال والعتاد، وفوق ذلك كانت هذه الحملات تقوم بدور الاستطلاع والمراقبة والدراسة لطرق العراق وجغرافيتها.. هذا كله إلى جانب بث الرعب في قلوب المسلمين..

فكانت هذه الحروب بمثابة حروب الاستنزاف، فأضعفت من قوة الخلافة والمسلمين كثيرًا، وهيأت المناخ للحرب الكبيرة القادمة.. وأمثال هذه الحروب يتكرر في التاريخ كثيرًا.. وما مذبحة دير ياسين- وما أحدثته من آثار- منا ببعيد..

2- ومن وسائل التتار الخطيرة في حربهم النفسية ضد المسلمين الحرب الإعلامية القذرة التي كان يقودها بعض من أتباع التتار في بلاد المسلمين يتحدثون فيها عن قدرات التتار الهائلة، واستعداداتهم الخرافية، ويوسعون الفجوة جدًا بين إمكانيات التتار وإمكانيات المسلمين..

وتسربت هذه الأفكار إلى وسائل الإعلام في زمانهم.. ووسائل الإعلام في ذلك الوقت هم الشعراء والأدباء والقصاصون والمؤرخون.. وقد ظهر في كتاباتهم ما يجعل المسلمين يحبطون تمامًا من قتال التتار وذلك مثل:

- التتار تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم.. (كناية عن قوة وبأس المخابرات التترية، وحسن التمويه والتخفي عندهم، بالإضافة إلى ضعف المخابرات الإسلامية وهوانها)..

- التتار إذا أرادوا جهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه..

- التتار نساؤهم يقاتلن كرجالهم.. (فأصبح رجال المسلمين يخافون من نساء التتار)..!!

- التتار خيولهم تحفر الأرض بحوافرها، وتأكل عروق النبات، ولا تحتاج إلى الشعير!..

- التتار لا يحتاجون إلى الإمداد والتموين والمؤن؛ فإنهم يتحركون بالأغنام والبقر والخيول ولا يحتاجون مددًا..

- التتار يأكلون جميع اللحوم.. ويأكلون..... بني آدم!!!..

 ولا شك أن مثل هذه الكتابات كانت ترعب العوام.. وأحيانًا تؤثر في نفوس الخواص.. وهذا من البلاء الذي جنته الأمة على نفسها.. وما جناه عليها أحد..

3 - وكان أيضًا من وسائل التتار المشهورة لشن حرب نفسية على المسلمين كتابة الرسائل التهددية الخطيرة، وإرسالها إلى ملوك وأمراء المسلمين، وكان من حماقة هؤلاء الأمراء أنهم يكشفون مثل هذه الرسائل على الناس، فتحدث الرهبة من التتار.

وكان التتار من الذكاء بحيث إنهم كانوا يستخدمون بعض الوصوليين والمنافقين من الأدباء المسلمين ليكتبوا لهم هذه الرسائل، وليصوغوها بالطريقة التي يفهمها المسلمون في ذلك الزمان، وبأسلوب السجع المشهور آنذاك.

وهذا ولا شك يصل إلى قلوب الناس أكثر من الكلام المترجم الذي قد يفهم بأكثر من صورة، كما أن التتار حاولوا في رسائلهم أن يخدعوا الناس بأنهم من المسلمين، وليسوا من الكفار، وأنهم يؤمنون بكتاب الله القرآن، وأن جذورهم إسلامية.

وأنهم ما جاءوا إلى هذه البلاد إلا ليرفعوا ظلم ولاة المسلمين عن كاهل الشعوب البسيطة المسكينة (ما جاءوا إلا لتحرير العراق!!).

ومع أن بطش التتار وظلمهم قد انتشر واشتهر، إلا أن هذا الكلام كان يدخل في القلوب المريضة الخائفة المرتعبة، فيعطي لها المبرر لقبول اجتياح التتار، ويعطي لها المبرر لإلقاء السيف، ولاستقبال التتار استقبال الفاتحين المحررين بدلًا من استقبالهم كغزاة محتلين..

 لقد كانت هذه الرسائل التترية تخالف الواقع كثيرًا، ولكنها عندما تقع في يد من أحبط نفسيًا وهزم داخليًا، فإنها يكون لها أثر ما بعده أثر..

 وكمثال على هذه الرسائل أذكر هنا الرسالة التي أرسلها هولاكو إلى أحد أمراء المسلمين وقال فيها:

 "نحن جنود الله..

بنا ينتقم ممن عتا وتجبر، وطغى وتكبر، وبأمر الله ما ائتمر..

نحن قد أهلكنا البلاد، وأبدنا العباد، وقتلنا النساء والأولاد..

فيا أيها الباقون، أنتم بمن مضى لاحقون..

ويا أيها الغافلون، أنتم إليهم تساقون..

مقصدنا الانتقام، وملكنا لا يرام، ونزيلنا لا يضام..

وعدلنا في ملكنا قد اشتهر، ومن سيوفنا أين المفر؟

دمرنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأهلكنا العباد، وأذقناهم العذاب..

وجعلنا عظيمهم صغيرًا، وأميرهم أسيرًا..

تحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون، وعن قليل تعلمون على ما تقدمون

وقد أعذر من أنذر"..

 ولا شك أن مثل هذه الرسالة إذا وقعت في يد خائف أو جبان، فإنه لن يقوى على الحراك أبدًا بعد قراءتها، وكان هذا هو عين المرجو من وراء مثل هذه الرسائل!!..

 4- ومن وسائل التتار أيضًا لشن الحرب النفسية على المسلمين إعلان التحالفات بين التتار وبين الأرمن والكرج وغيرهم، وإبراز رغبة الملوك الصليبيين في أوروبا في التعاون مع ملك التتار، وتضخيم هذه التحالفات جدًا، حتى يعتقد المسلمون أنهم يقاتلون أهل الأرض جميعًا.

وأنهم لا طاقة لهم بحربهم، مع أن الأيام السابقة في تاريخ المسلمين حملت الكثير من الانتصارات على هؤلاء أنفسهم، وعلى أضعافهم، ولكن نسي المسلمون تاريخهم، وانبهروا بقوة عدوهم وحلفائه..

 5- ومن وسائل التتار أيضًا في حربهم النفسية التعاون مع أمراء المسلمين كما ذكرنا عند الحديث عن الجهود الدبلوماسية للتتار، فلا شك أن الشعب المسلم إذا وجد قائده الذي من المفروض أن يتولى أموره، ويدافع عنه، ويبذل روحه في سبيل تأمين بلده، هو الذي يتمنى أن يصالح هؤلاء التتار ويتعاون معهم.

بل ويعد ذلك إنجازًا من إنجازاته..!! لا شك أن الشعب المسلم إذا وجد ذلك فإنه يحبط إحباطًا شديدًا، ويفقد كل حماسة للدفاع عن أرضه وعن وطنه..

بهذه الوسائل وبغيرها استطاع التتار أن يبثوا الرعب والهلع في قلوب المسلمين، وبذلك أصبح المناخ مناسبًا جدًا لدخول القوات التترية الغازية..

 المحور الرابع: إضعاف جيوش الخلافة العباسية

وقد عمد هولاكو إلى أن يطلب من الوزير الفاسد "مؤيد الدين العلقمي" أن يقنع الخليفة العباسي "المستعصم بالله" أن يخفض من ميزانية الجيش.

وأن يقلل من أعداد الجنود، وأن لا يصرف أذهان الدولة إلى قضايا التسليح والحرب.. بل يُحول الجيش إلى الأعمال المدنية من زراعة وصناعة وغيرها..

والجميع يرى اليوم اشتغال الجند في بعض بلاد المسلمين بزراعة الخضراوات وبناء الجسور.. وأعمال المخابز والنوادي...!! دون كبير اهتمام بالتدريب والقتال والسلاح والجهاد..! وقد قام بذلك فعلًا الوزير العميل مؤيد الدين العلقمي، وهذا لا يستغرب من مثله، ولكن الذي يستغرب فعلًا أن الخليفة قبل هذه الأفكار المخجلة.

وذلك كما أشار عليه الوزير الفاسد حتى لا يثير حفيظة التتار، وليثبت لهم أنه رجل سلام ولا يريد الحروب!.. لقد قام الخليفة فعلًا بخفض ميزانية التسليح، وقام أيضًا بتقليل عدد الجنود، حتى أصبح الجيش العباسي المسلم الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام المستنصر بالله والد المستعصم بالله وذلك في سنة 640هـ، أصبح هذا الجيش لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة 654هـة!!!..

وهذا يعني هبوط مروع في الإمكانيات العسكرية للخلافة.. ليس هذا فقط بل أصبح الجنود في حالة مزرية من الفقر والضياع، حتى إنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق!.. وأهملت التدريبات العسكرية، وفقد قواد الجيش أي مكانة لهم، ولم يعد يذكر من بينهم من له القدرة على التخطيط والإدارة والقيادة، ونسي المسلمون فنون القتال والنزال، وغابت عن أذهانهم معاني الجهاد!!..

وهذه والله الخيانة الكبرى.. والجريمة العظمى!!..

 ويلقي ابن كثير -رحمه الله- باللوم الكامل على مؤيد الدين العلقمي في نصائحه للخليفة المستعصم بالله.

ولكني ألقي باللوم الأكبر على الخليفة ذاته، الذي قبل بهذا الهوان، ورضي بهذا الذل، وغاب عن ذهنه أن من أهم واجباته كحاكم أن يضمن لشعبه الأمن والأمان، وأن يدافع عن ترابه وأرضه ضد أي غزو أو احتلال.

وأن يبذل قصارى جهده لتقوية جيشه، وتسليح جنده، وأن يربي الشعب بكامله -لا الجيش فقط- على حب الجهاد والموت في سبيل الله..

لم يفعل الخليفة المستعصم بالله كل ذلك، ولا عذر له عندي؛ فقد كان يملك من السلطان ما يجعله قادرًا على اتخاذ القرار.. لكن النفوس الضعيفة لا تقوى على اتخاذ القرارات الحاسمة.

الكاتب: د. راغب السرجاني

المصدر: موقع قصة الإسلام